كتب : وسيم عفيفي
كانت نهاية ريتشارد قلب الأسد ملك الإنجليز نهاية درامتيكية ، فبعد أن تم لريتشارد توقيع معاهدة الصلح مع صلاح الدين عام 1192 م، و التي نصت على احتفاظ الصليبيين بالمدن الساحلية بين صور و يافا بما فيها عكا و حيفا و قيسارية، كما نصت علي حرية المسيحيين في الحج إلي بيت المقدس، و كذلك تخريب عسقلان التي تقع علي الطريق إلي مصر، أقلع ريتشارد من فلسطين عائداً إلى بلاده.
و في الطريق توقف في قبرص و استولى عليها بجيوشه و عين جي دي لويزينيان ملكاً عليها.
أوروبا كلها كانت في ذلك الوقت مستنفرة ضد ريتشارد لأسباب مختلفة، فهو لم يرجع بمفاتيح أورشليم كما وعد، مما أفقده مساندة الشعوب المسيحية في أوروبا و تركوه لقمة سائغة لمؤامرات الأعداء و خيانة الأقرباء.
ففيليب أغسطس كان مصراً على الثأر من ريتشارد لما سببه الأخير له من إهانات الواحدة تلو الأخرى أثناء وجودهم في فلسطين، كما كان يطمع في الاستيلاء على أملاك ريتشارد في نورماندي.
و أعوان كونراد دي مونفرات اتهموا ريتشارد بتدبير اغتيال أميرهم في صور، فنصبوا له الفخاخ في كل أرجاء أوروبا للإيقاع به، و كذلك الامبراطور الروماني المهان من جراء طرد ملك قبرص التابع له و تولية أحد أتباع ريتشارد مكانه.
أما أخو ريتشارد جون في إنجلترا، فكان براهن على عدم قدرة ريتشارد علي بلوغ شواطئ إنجلترا مع كل هذه المؤامرات المحاكة ضده في أوروبا. و كان علي حق.
رست سفن ريتشارد عند مدينة ساحلية في اليونان، و تخفى ريتشارد في زي أحد فرسان الهيكل لخداع جواسيس فيليب و الإمبراطور الروماني المنتشرين في كل مكان، و بالفعل استطاع ريتشارد عبور جبال الألب متخفيا.
و لكن على مشارف مدينة فيينا سقط في قبضة رجال الدوق النمساوي ليوبولد الذي كان يكن حقداً عميقاً لريتشارد، لأن الأخير أهانه بعد الاستيلاء على عكا من المسلمين و ألقى جنود ريتشارد براية دوق النمسا من فوق أسوار عكا.
تلقى دوق النمسا ليوبولد جائزته من الإمبراطور الألماني وهي عبارة عن ستين ألف ليرة من الفضة مقابل تسليم ريتشارد، الذي اقتيد إلى سجنه في قلعة علي نهر الدانوب.
و أُعلن أن فدية إطلاق سراح ملك الإنجليز مقدارها مائة ألف مارك فضي، وهي فدية باهظة في ذلك الوقت كانت تساوي نصف خزينة مملكة إنجلترا.
و بالطبع لم يكن أخوه جون متلهفاً لدفع الفدية، فمكث ريتشارد في سجنه سنتين، حتى جمعت الفدية من كل مقاطعات إنجلترا و نورماندي و سددت للإمبراطور الألماني الذي أطلق سراح ريتشارد في الرابع من فبراير 1194م ، و عاد إلي إنجلترا، و قضي علي تمردات أخيه جون و عفا عنه.
أما نهاية ريتشارد فقد جاءت بعد ذلك بخمسة أعوام، أي عام 1199م ، فقد تمردت إحدى المقاطعات الصغيرة و تحصن باروناتها في قلعة صغيرة و لكنها حصينة.
إلا أن ريتشارد أصر على الخروج بنفسه لسحق هذا التمرد و التنكيل بالمتمردين، و رفض طلبهم بالاستسلام مقابل العفو عنهم.
و أمام القلعة بدأ ريتشارد يعد لهجوم كاسح على القلعة و أخذ يجول حول القلعة جيئاً و ذهاباً غير عابئ برماة السهام علي أسوار القلعة ، فقام واحد منهم بإطلاق سهمه على ريتشارد فأصاب ذراعه.
و لكن ريتشارد لم يعبأ بجرحه و قاد هجومه الكاسح على القلعة، فلم يلبث جرحه أن تفاقم و لم يفلح استخراج السهم في تخفيف الاحتقان، فقد تورم الذراع و أصابته الغرغرينة التي تفشت في جسده كله و أدت إلى وفاته في النهاية في 6 أبريل 1199م.
و تبين بعد ذلك أن رامي السهم لم يكن إلا فتي صغير أدعي أن ريتشارد قتل أباه و أخويه، و أنه أراد أن يثأر لهمم ، و بذلك قيل عن موت ريتشارد بهذه الطريقة أنه “الأسد الذي قتلته نملة”.