كتب – وسيم عفيفي
وفق وثائق تراثيات فضلاً عن تقارير تاريخية فقد ارتبط ظهور الطباعة بحملة نابليون بونابرت على مصر عام 1798م، الذي حمل معه ثلاث مطابع مجهزة بحروف عربية ويونانية وفرنسية، وكان الهدف الأساس لهذه المطابع هو طباعة المنشورات والأوامر، وكانت تقوم بعملها في عرض البحر، حتى دخلت الحملة القاهرة، فنقلت إليها، وعرفت بالمطبعة الأهلية
وبعد حوالي عشرين عامًا، وفي عام 1819م، أو 1821م أنشأ والي مصر محمد علي باشـا (1184-1265هـ / 1770-1849م) مطبعة على أنقاض المطبعة الأهلية، عُرفت بالمطبعة الأهلية أيضًا، ثم نُقلت إلى بولاق، فعرفت بمطبعة بولاق، أو المطبعة الأميرية، وكانت هذه المطبعة ثورة في عالم المعرفة، طبع فيها في مدة وجيزة من عام 1289هـ إلى عام 1295هـ أكثر من نصف مليون نسخة، ولم تتوقف خلال تسعين سنة من عملها المتواصل غير فترة يسيرة بين عامي 1861 و 1862م بين عهدي محمد علي والخديوي إسماعيل (1245-1312 هـ/ 1830-1895م).
وينشر موقع تراثيات وثيقة نادرة لراتب ناظر المطبعة الأهلية في القسم الإداري بانجيه بك ، حيث كان الراتب شهرياً يبلغ 65 جنيه شهرياً
أما عن وضع المكتبة بعد رحيل نابليون إلى القاهرة ترك المطبعة العربية في الإسكندرية حيث قام يوحنا مارسيل بنشر أبجدية عربية وتركية وفارسية طبعها في المطبعة الشرقية الفرنسية، وتمرينات بالعربية الفصحى للمبتدئين، ثم غادر الإسكندرية إلى القاهرة في أكتوبر 1798م.
ظل مقر المطبعة الشرقية بمدينة الإسكندرية إلى نهاية 1798 حيث ظلت هي المطبعة الوحيدة في مصر التي تطبع بالعربية، إذ أن نابليون كان يستخدم مطبعة مارك أوريل في القاهرة للطباعة في اللغة الفرنسية، ويرسل إلى المطبعة الشرقية بالإسكندرية للطباعة باللغة العربية.
وابتداءَ من 14 يناير 1799 أصبحت المطابع الثلاث في القاهرة، حيث باع مارك أوريل مطبعته للحكومة الفرنسية. وفي نفس اليوم أصدر نابليون أمراً بتنظيم الطباعة وتعيين المسؤولين عن سياسة المطبوعات فيها، ويتضح لنا من خلال هذا الأمر مدى الرقابة الصارمة والشديدة التي فرضها نابليون على المطبعة بحيث لا تصدر عنها مطبوعات بغير علم القيادة، أو تذيع ما من شأنه أن يمس المظام أو يسيء إلى الرأي العام الفرنسي أو المصري، لذلك كان هذا النظام الشدي أشبه ما يكون بما نعرفه اليوم بنظام الرقابة العامة على المطبوعات أو الرقيب. أما عن مكان المطبعة بالقاهرة فقد كانت دائماً ملازمة لمعسكرات الجيش. وعندما ثارت القاهرة في 1798م نقلت المطبعة إلى الجيزة. ولكنها عادت إلى القاهرة بعد أن أخمدت الثورة، ونقلت في النهاية إلى القلعة لأنها كانت إحدى معسكرات الجيش الفرنسي.
وهكذا نرى أن نابليون كان يقيم لمطبعته وزناً كبيراً، فهو يقيمها في القواعد الخلفية لمعسكرات الجيش، فإن شعر بالخطر بادر لنقلها أبعد ما يمكن عنه، فهو يبقيها في الإسكندرية حتى يستتب له الأمر في القاهرة، ثم يبعدها للجيزة تارة وللإسكندرية تارة أخرى حينما قامت الثورات في القاهرة، فلما هدأت الأمور عاد بها ووضعها في القلعة بالقاهرة وكانت عندئذ أحد معسكرات جيشه. وكانت الطامة الكبرى عند نابليون لو وقعت هذه الطابعة بيد علماء الأزهر وهم طليعة المقاومة التي تواجهه. فقد كان يدرك تماماً أنه بهذه المطبعة يمارس الدجل على الشعب المصري، ولكن نداءً حقيقياً للجهاد لو طبع على هذه المطبعة لكان كفيلاً بأن يقيم القيامة على رأسه.