الرئيسية » حكاوي زمان » كيف نجح محمد علي في مقاومة أول فرمان لعزله
محمد علي
محمد علي

كيف نجح محمد علي في مقاومة أول فرمان لعزله

كتب – وسيم عفيفي
استوثق  محمد علي من معاضدة السيد عمر مكرم، ومن ثم عزم على مقاومة ارادة الباب العالي، وأخذ يتأهب للحرب والقتال، واتفق هو والسيد عمر على أن يجتمع العلماء ويكتبوا محضرا في شكل التماس بالاعتراض على عزل محمد علي والاحتجاج على تولية موسى باشا ورجوع السلطة للمماليك.
ومضمون هذا الاعتراض ان الامراء (المماليك) قد عرضوا على السدة السلطانية تعهدهم بدفع الاموال الاميرية الى خزانة الدولة العلية واداء مرتبات الحرمين الشريفين والعفو عن جرائمهم الماضية في مقابل اقرارهم على دخول مصر القاهرة، وان طلبهم قد حاز القبول، ومن ثم صدر الامر السلطاني بعزل محمد علي باشا وتوجيه ولاية سلانيك اليه وتقليد موسى باشا ولاية مصر، وقبلت توبتهم على ان يقبل العلماء والوجاقية والرؤساء والوجهاء بالديار المصرية كفالتهم، على أن الموقعين على العريضة لا يستطيعون كفالتهم “فان شرط الكفيل قدرته على المكفول، ونحن لا قدرة لنا على ذلك، ولما تقدم من الأفعال الشهيرة، والأحوال والتطورات الكثيرة، ولا يمكننا التكفل والتعهد لأننا لا نطلع على ما في السرائر وما هو مستكن في الضمائر، فنرجوا عدم المؤاخذة في الأمور التي لا قدرة لنا عليها، لأننا لا نقدر على دفع المعتدين والطغاة والمتمردين، الذين أهلكوا الرعايا ودمروهم، وعدد العلماء في عريضتهم مساوئ المماليك ومظالمهم، وأطروا فعال محمد علي باشا، وختموا كلامهم بتفويض الأمر الى السدة السلطانية ، وكتبوا من العريضة نسختين احداهما الى القبطان باشا والاخرى الى السلطان بعدما وقعوا عليها بامضاءاتهم وأختامهم.
ومعنى هذا البيان على ما فيه من اظهار الولاء والاخلاص للسدة السلطانية أنهم لا يجيزون تغيير الوالي، ولا يرضون بعودة الحكم الى المماليك، ولا يقبلون كفالتهم، وأنهم متمسكون بولاية محمد علي، وفي هذا من تأييده في مركزه والاستهانة بالفرمانات (الشاهانية) ملا يغرب عن البال.
أما قبطان باشا فقد مضى في تنفيذ مهمته، فبعث الى العلماء برسالة ينبئهم فيها بعزل محمد علي باشا وتقليد موسى باشا، ويدعوهم الى الامتثال للأمر، وبعث بمثل هذه الرسالة الى السيد عمر مكرم، وبثالثة الى السيد محمد السادات، فلم يلق منهم جوابا صريحا بالامتثال ، بل ابدوا أعذارهم، وكانت الأوامر تقضي برحيل الجنود الأرناؤد مع محمد علي ، فتذرعوا بأن امتناع الجنود عن الرحيل وعصيانهم يترتب عليه تعرض البلاد للخراب، فكرر قبطان باشا عليهم الامر في رسالة شديدة اللهجة قال فيها: “انه لا يقبل هذه الاعذار ولا ما نمقوه من التمويهات التي لا أصل لها ولابد في تنفيذ الاوامر وسفر الباشا (محمد علي) هو وحسن باشا وعساكرهم وخروجهم من مصر وذهابهم الى ناحية دمياط وسفرهم الى الجهة التي أمروا بالذهاب اليها، ولا شيء غير ذلك أبدا”.
وكتب العلماء رسالة أخرى الى قبطان باشا في شهر جمادى الثانية سنة 1221 (أغسطس سنة 1806) يذكرون فيها صراحة أنهم لا يرتضون عن محمد علي باشا بديلا، ومما جاء في هذه الرسالة قولهم: “ان محمد علي باشا كافل الاقليم وحافظ ثغوره ومؤمن سبله، قاطع المعتدين، وان الكافة من الخاصة والعامة والرعية راضية بولايته وأحكامه وعدله، والشريعة مقامة في أيامه، ولا يرتضون خلافه لما رأوا فيه من عدم الظلم والرفق بالضعفاء وأهل القرى والأرياف، وعمارها بأهلها ورجوع الشاردين منها في أيام المماليك المعتدين الذين كانوا يعتدون عليهم ويسبلون أموالهم ومزارعهم ويكلفونهم بأخذ الفرض والكلف (جمع كلفة) الخارجة عن الحد أما الآن فجميع أهل القطر المصري مطمئون بولاية هذا الوزير”.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*