كتب – وسيم عفيفي
جواد حسني ، شارع يعرفه عندما يخرج المواطن من محطة مترو ” محمد نجيب ” ، أو ” جمال عبد الناصر ” أو ” السادات ” أو ” سعد زغلول ” أو ” أحمد عرابي ” ليتوجه إلى منطقة وسط القاهرة ، وفي قلب الوسط يلتفت إلى اسم شارع ” جواد حسني ” ، يظن المواطن أن ” جواد ” هو شخصية سياسية مثل غيره من الشخصيات المُسمى على اسمها الشوارع مثل عدلي ، وعبد الخالق ثروت ، وإبراهيم ، وطلعت حرب ، وشريف ، وغيرهم ، ولكن الحقيقة أن جواد حسني لا ينتمي لهذا الجيل بل يتأخر عنه بأجيال عديدة تعود إلى خمسينيات القرن الماضي ، فضلا عن أنه شاب وليس بالكبير سنا
يمكن أن تُختصر سيرة الشهيد جواد علي حسني في أنه ولد في 20 إبريل عام 1935، والتحق بكلية الحقوق جامعة القاهرة في العام الدراسي 1952-1953 ، ولكنه لم ينتظم كُليّةً في الدراسة حيث بعد التحاقه بعامين اثنين قرر الدخول إلى الكتيبة العسكرية إبان العدوان الثلاثي على مصر، وكان أول المتطوعين بها، واستشهد على أيدي الجيش الفرنسي في عام 1956.
كان قرار تأميم قناة السويس قرارا أصاب القوى الاستعمارية بالذهول ، وفتح على الرئيس جمال عبد الناصر حربا كبيرة ضمت في طياتها خراب ودمار من الدولة الصهيونية وبريطانيا وفرنسا
وفي مساء يوم الجمعة 16 نوفمبر 1956، وصل إلى جواد حسني أخبار تفيد بأن بعض القطع البحرية المغيرة أنزلت قوات كوماندوز بالسويس للوصول إلى بورسعيد قلب المقاومة المصرية ، فخرج جواد حسني في دورية استطلاعية مع مجموعة الحرس الوطني في القنطرة، وتوغلت كتيبة الحرس الوطني داخل سيناء فقابلتهم دورية إسرائيلية كانت مرابطة عند الكيلو 39 في طريق “الكاب” شرقي قناة السويس، واشتبكوا معهم فأطلق رصاص رشاشه عليهم فأصيب برصاصة في كتفه الأيسر، فتقدم منه زملاءه وضمدوا جرحه وطلبوا منه العودة، لكنه رفض وتعهد بحمايتهم بنيران رشاشه.
وعند المساء تحرك حسني وواصل التقدم حتى وصل إلى الضفة الشرقية التي احتلتها القوات الفرنسية، فاشتبك مع دورية فرنسية وكان مدفعه سريع الطلقات (600 طلقة في الدقيقة) فظن الفرنسيون أنهم يحاربون قوة كبيرة فطلبوا النجدة، فإذا بقوة من الجنود الفرنسيين تتقدم تجاهه واخذ جواد يقذفهم بالقنابل اليدوية مع نيران مدفعه ودماءه تنزف، فسقط مغشيًا عليه، فتقدمت القوات نحوه وهى تظن أن هذا السقوط خدعة، فوجدت شابًا في الحادية والعشرون من عمره ملقى وسط بركة من الدماء يحتضن مدفعه ويقبض على قنبلة شديدة الانفجار، فنقلوه إلى معسكر الأسرى وسجل بدمائه التي تنزف قصة اعتقاله وتعذيبه يوم بيوم ابتداء من يوم أسره في 16 نوفمبر 1956.
توجه قائد القوات الفرنسية بنفسه ليستجوبه، ولكن جواد لم يتكلم لينقذ نفسه بل مد إصبعه في أحد جروحه وكتب على الحائط – بدمائه – عبارات يذكرها التاريخ وسجلتها شبكة المعلومات
“اسمي (جواد). طالب بكلية الحقوق..فوجئت بالغرباء يقذفون أرضي بالقنابل فنهضت لنصرته، وتلبية نداؤه..والحمد لله لقد شفيت غليلي في أعداء البشرية، وأنا الآن سجين وجرحي ينزف بالدماء..أنا هنا في معسكر الأعداء أتحمل أقسى أنواع التعذيب..ولكن يا ترى هل سأعيش؟ هل سأرى مصر حرة مستقلة؟ ليس المهم أن أعيش..المهم أن تنتصر مصر ويهزم الأعداء”
ومع إصراره على الرفض بأن يبوح بأي معلومة ، أوهمه قائد القوات الفرنسية أنه سيطلق سراحه وأمره بالخروج من حجرة الأسرى وأثناء سيره أطلق الجنود الفرنسيون رشاشاتهم على ظهره فسقط شهيدا فى 2 ديسمبر 1956 .
ولكن هناك شيئا غامضا في قصة جواد حسني ، فهو طبقا لما جاء في تقارير أمنية قد تم نقله من بور فؤاد إلى رجال الدولة الصهيونية في منطقة عزبة “القنطرة شرق”
ومن هنا تأتي 5 أسئلة
1 – ما هي المدة التي احتفظ به الصهاينة تحت سيطرتهم
2 – هل واصل الصهاينة تعذيبه ؟
3 – متى أرجعه الصهاينة للفرنسيين ؟
4 ـ متى كان اتخاذ القرار بقتل “جواد حسني” ؟
5 – هل الصهاينة أم الفرنسيين هم الذين أطلقوا عليه النيران من الخلف وقتلوه ؟
أسئلة كثيرة تحتاج لإجابات وافية ، ولكن في النهاية فإن جواد حسني دخل التاريخ من أوسع أبوابه قبل أن تكرمه الدولة بإطلاق شارع على اسمه