وسيم عفيفي
وفق كتاب عصر محمد علي فقد تقلد محمد علي باشا ولاية الحكم بارادة زعماء الشعب ونزولا على رأيهم في 13 مايو سنة 1805 م .
فالزعامة الشعبية هي التي أبلغته سلطة الحكم، وقد ظلت هذه الزعامة في الميدان، وبقيت قائمة عاملة في السنوات الأولى من حكم محمد علي، فكان لها أثر فعال في تثبيت دعائم ملكه وتذليل العقبات التي وضعها في طريقه رجال الأستانة من جهة، والإنجليز وصنائعهم المماليك من جهة أخرى، وإحباط الدسائس التي دبروها والمؤامرات التي سعوا بها إلى اقتلاعه عن كرسي الولاية .
لم ترسخ قدم محمد علي باشا في الحكم بمجرد مبايعته أو صدور الفرمان المؤذن بتوليته، فإن الدسائس كانت تحيط بها من كل جانب، فالسياسة الانجليزية تسعى بمختلف الوسائل لترد السلطة إلى محمد بك الالفي، وكان عمالها في الأستانة لا يفتأون يسعون لدى الباب العالي في إسناد حكم مصر إليه، وقناصلها في مصر يمدون المماليك بالمعونة، ويحركون الطمع في نفوسهم ويلقون في روعهم أن إنجلترا لا تدع صنائعها ولا تتخلى عنهم، وانها لابد محققة آمالهم، والمماليك من ناحيتهم كانوا يجمعون جموعهم ليحاربوا الوالي الجديد.
كانت السياسة التركية مترددة غير مستقرة، ترقب الأحوال لتتبع الخطة التي تراها أكفل بمصلحتها وأوفق لبسط نفوذها في مصر، ولم تكن خالصة النية نحو محمد علي باشا، بل كانت ترميه بعين البغض، وتنفس عليه رسوخ قدمه في مصر، وحسبه جرما في نظرها أنه لم يكن من الولاة الذين ترسلهم كل عامة إلى مصر وتوليهم وتعزلهم كما تشاء، بل كان الوالي المختار من الشعب المصري، فالشعب هو الذي أجلسه على كرسي الولاية، ولم تكن هذه الطريقة في تعين الولاة مما يروق في نظر الحكومة التركية، صحيح أن حكومة الاستانة قد لبت نداء الشعب المصري وأصدرت فرمانها بعزل الوالي الذي ثار عليه الشعب (وهو خورشيد باشا)، وتعيين محمد علي واليا مكانه، وقد أوفدت إلى القاهرة رسولا يحمل هذا الفرمان، ولكن هذا لم يكن دليلا على خلوص نية تركيا نحو مصر، وهو لا يعدو أن يكون حلال مؤقتا تتفادى به من ثورة الشعب الى ان تحين الفرصة فتسترجع سلطتها في البلاد وتضع يدها حيث شاءت، ولو كانت صادقة النية لاكتفت برسولها ذاك يحمل فرمان اسناد الولاية الى محمد علي، لكنها أوفدت بعد ذلك قبطان باشا في عمارة حربية تقل 2500 من الجنود ليرقب الحالة في مصر ويجعل عينه على الحوادث، ويتخذ من القرارات النهائية ما يراه موافقا لمصلحة تركيا.
ووصلت هذه العمارة إلى أبي قير يوم 17 يوليه سنة 1805 أي في الوقت الذي كان خورشيد باشا ما زال ممتنعا في القلعة معتصما بها، ولم تجري عادة تركيا بإرسال مثل هذه القوة الا ذريعة لحدث تحدثه في البلاد، فهذه القوة الحربية لم تأت إلى مصر عبثا، بل جاءت ليستعين بها قبطان باشا على إنفاذ أغراضه الخفية، ولقد كانت مهمته الظاهرة استنزال خورشيد باشا الوالي المعزول من القلعة، غير أن الحكومة التركية خولته السلطة المطلقة في تثبيت محمد علي في الولاية أو عزله منها.