الرئيسية » رموز وشخصيات » البابا “مرقص الثامن” واجه الحملة الفرنسية و عاقب عملاءها في الكنيسة
البابا مرقص الثامن

البابا “مرقص الثامن” واجه الحملة الفرنسية و عاقب عملاءها في الكنيسة

كتب – وسيم عفيفي
لا التطرف ولا الإرهاب ولا الخيانة لهم دين أو مُقترنين بدين والدليل على ذلك فترة البابا مرقص الثامن .
وتعتبر فترة الحملة الفرنسية هي من أهم الفترات التاريخية بتاريخ مصر لأنها كانت نقطة الفصل الهامة ورابط الوصل الخطير بين ركام مصر الراكدة قبل عام 1798 م وبين الحركة القومية التي شهدتها مصر فيما بعد .
ولم تكن رموز الوطنية حكراً على مشايخ الأزهر فحسب ، بل كان أيضاً هناك أقباط أيضاً سجلوا أجمل صفحات الوطنية في تاريخ مصر ، وعلى رأس هؤلاء البابا مرقص الثامن البابا رقم 108 في تاريخ باباوات الكنيسة المصرية والذي تولى المنصب لمدة 13 عام من 2 أكتوبر سنة 1796 م حتى 21 ديسمبر سنة 1809 م .
ولد البابا مرقص الثامن في منتصف القرن الـ 18 بمنطقة طما والتي كانت تتبع مديرية جرجا أحب وعشق الحياة الرهبانية فالتحق بدير القديس أنبا أنطونيوس وعقب وفاة الأنبا يوأنس البطريرك الـ 107 اختير الأنبا مرقص الثامن بابا للإسكندرية بكنيسة السيدة العذراء بحارة الروم في يوم الأحد 2 أكتوبر سنة 1796 م.، في عهد السلطان سليم الثالث بن السلطان مصطفى الثالث العثماني، وشيخيّ البلد إبراهيم بك ومراد بك.
وتعتبر فترته من أخطر الفترات التاريخية التي مرت بمصر لأنه عاصر ثلاث حقب تاريخية حقب الولاة العثمانيون ثم حقبة دخول الفرنسيين مصر عقب سيامته للمنصب بسنتين ثم رجوع العثمانيين مرة أخرى وتولية محمد علي .
كما تميز عصره بوجود رجال كثيرين ربتهم الكنيسة على يديه قبل وأثناء منصبه ومنهم المعلم إبراهيم الجوهري وجرجس الجوهري و يعقوب حنا .

 البابا مرقص الثامن ، جرجس الجوهري، إبراهيم الجوهري،يعقوب حنا

البابا مرقص الثامن ، جرجس الجوهري، إبراهيم الجوهري،يعقوب حنا

وفي أيام توليه المنصب حدثت مواقف صعبة على الكنيسة والأقباط من الفرنسيين حيث أنه لم يكن وصول الحملة الفرنسية إلى مصر مكسباً للأقباط كما روج كثير من المصرين وقتها ، فلقد حدث للأقباط من الفرنسيين أصعب وأحط المواقف وكلها مواقف كثيرة ومؤسفة للكنيسة وللأقباط
فقد تم حرق الكنيستين العليا والسفلى بحارة الروم وأدى ذلك إلى انتقال مركز البطريركية من حارة الروم إلى الأزبكية ، في مواضع كان قد بناها المعلم إبراهيم الجوهري قبل وفاته بعد أن تمكن من أخذ فرمان ببناء كنيسة بالدرب الواسع وبناء مقر بطريركي ، وقام أخوه المعلم جرجس بإتمام هذا المشروع وتم نقل مقر البابا إلى هذه الكنيسة التي أطلق عليها اسم كاتدرائية الكاروز مرقس، فعرفت باسم الكنيسة المرقسية .

الحملة الفرنسية على مصر

الحملة الفرنسية على مصر

وتمكن الفرنسيين من القطر المصري وفرضوا سيطرتهم قبل دخول العاصمة على الاسكندرية وسبب الفرنسيين في ترويج شائعات داخل مصر والإسكندرية مفادها أن الكنيسة تتعاون مع الفرنسيين ومن اجل هذا قام من صدق هذه الشائعات بإذاقة الأقباط كؤوس القسوة بالرغم من اجتهاد كبار الإسكندرية والقاهرة في إخبار الهائجين أن هؤلاء المسيحيين من جملة رعايا الدولة، وإن من يمس شرفهم يمس شرف الدولة نفسه عندما فشلت معاهدة العريش سنة 1800 بين القائد كليبر والعثمانيين دارت معارك القتال بين الفريقين في المطرية فدخل نصيف باشا أحد قواد الجيش العثماني إلى المدينة مع جماعة من المماليك ونادى بأنهم قد غلبوا الفرنسيين وأمر بقتل ما تبقى من المسيحيين .

مينو

مينو

وعقب تولى مينو قيادة الجيش الفرنسي بعد قتل كليبر إدعى أنه اعتنق الإسلام وأثر ذلك على وضع الأقباط بالسلب مع ازدياد الشائعات وواجه البابا مرقص الثامن كل من تعاون من المسيحين بمصر مع الفرنسيين معاملة عنيفة ولعل المعلم يعقوب حنا كان أحد من عاقبهم البابا مرقص الثامن نظراً لخيانة يعقوب حنا لمصر فقد كان يعقوب حنا عند قدوم الحملة الفرنسية قد بلغ من الغِنى مبلغاً كبيراً وتكونت لديه ثروة طائلة ألهته إلى أن يستعين به الفرنسيين في تثبيت حكمهم لمصر من ناحية احتياجهم لبيانات وسجل إيرادات والضرائب التي يجب فرضها على الشعب فقرر نابليون الاستعانة ببعض المسيحيين المشهور عنهم في هذا الوقت أنهم من كبار التجار وأنهم من مسؤلي جباة الضرائب ، فقرر تعيين المعلم جرجس الجوهري مسؤلاً عن تنظيم الموارد المالية ، واستعان المعلم جرجس بيعقوب حنا عقب قيام يعقوب بعرض خدماته وأخذ تزكية من الجنرال ديسيه الذي استعان به في حملته التي قام بها لإخضاع الصعيد ومطاردة جيش مراد بك . وقد كان لدى يعقوب خبرة بطرق الصعيد وأوضاعه المالية والإدارية فقام بتجهيز ما يلزم الحملة من زاد وتأمين مواصلات والمشاركة في القتال لما كان لديه معرفة بطريقة القتال ثم قاد فصيل من الجيش الفرنسي ضد قوة مملوكية في أسيوط واستطاع أن يحقق الانتصار ويهزم المماليك ، حتى تم تكريمه بتقديم تذكار له عبارة عن سيفٍ منقوش عليه ” معركة عين القوصية 24 ديسمبر 1798م.” ثم تم تنصيب يعقوب بعد ذلك مسؤلاً عن جمع الضرائب من أهالي الصعيد وكان يستخدم أبشع الطرق في أخذ الضرائب من أهل الصعيد المسلمين أو المسيحيين وعندما عاد يعقوب إلى القاهرة بعد حملة الصعيد فوجئ بقيام ثورة القاهرة الأولى في 21 أكتوبر سنة 1798 وأحس حقيقة موقفه وموقف الأهالي منه ولذا بدّل داره إلى ما يشبه الدُشمة العسكرية ،واعتبرت قلعة المعلم يعقوب واحدةً من قلاع الفرنسيين في القاهرة.
ومع رحيل نابليون عن مصر قام يعقوب بتقديم خدمات كثيرة لمساعدة كليبر على قمع ثورة القاهرة الثانية نظراً لقربه من الفرنسيين فخوّل له كليبر مسؤلية جمع الأموال العامة من الشعب كيف يشاء ، وكالعادة استخدم حنا أسوء الوسائل لجمع المال و كل هذا جعل ليعقوب معيّة كبيرة جعلت الجنرال كليبر يمنحه رتبة كولونيل وجعله على رأس فرقة عسكرية تولى يعقوب على نفقته الخاصة تزويدهم بالسلاح والعتاد اللازم لهذه الفرقة واستمر يعقوب في تقديم خدماته للاحتلال الفرنسي بعد اغتيال كليبر ومع الجنرال جاك مينو كافأه مينو بأن منحه رتبة جنرال وكان ذلك في عام 1801م.

من سفن الحملة الفرنسية

من سفن الحملة الفرنسية

ومع نهاية الحملة الفرنسية على مصر بزحف الجيش العثماني نحو القاهرة والجيش الأنجليزى نحو رشيد وحصار الجنرال مينو في الإسكندرية اضطر مينو إلى عقد مفاوضات مع العثمانيين والإنجليز للجلاء عن مصر وعزم الجنرال يعقوب على السفر إلى فرنسا فجمع متاعه وأهله وعسكره من المسيحيين وخرج إلى الروضة ليكون مع من سيغادر مع الحملة إلى فرنسا، وركب السفينة الإنجليزية بالاس ليخرج من القاهرة في 10 أغسطس عام 1801م.
وعندما كانت السفينة بالاس لا تزال في عرض البحر وقبل وصولها إلى فرنسا أصيب يعقوب بالحمى و اشتد عليه المرض ومات في عرض البحر في 16 أغسطس 1801 م ولم يلقي قبطان السفينة بجثة يعقوب إلى البحر كالمعتاد في مثل هذه الحالة، بل استمع إلى رجاء من معه فاحتفظ بالجثة فى برميل من الخمر حتى وصلت السفينة إلى مارسيليا وهناك تم دفنه .
وبرغم كل المحن التي مرت على الأقباط بمصر في هذه الفترة إلا أن البابا أنه كان شديد الاهتمام بأمر الكنائس والأديرة وإصلاح ما حدث فيها من دمار وقام بإلقاء العظات بنفسه ولم ينقطع عن التعليم في أي وقت، كما اشتهر كذلك بعمل الخير وتقديم الخدمات والإحسان وظل هكذا إلى أن توفي في 21 ديسمبر سنة 1809 م وتم دفنه في كنيسة الأزبكية وكان هو أول من دُفن فيها من الآباء البطاركة بجوار المذبح

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*