كتب – وسيم عفيفي
هو ثائر من طراز فريد هو الثائر الوطني الشجاع أحمد حسين
ولد أحمد حسين في 8 مارس 1911 م بحي السيدة زينب بالقاهرة أكمل تعليمه الابتدائي بمدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية ثم انتقل منها إلي مدرسة محمد علي الأميرية وفي المرحلة الثانوية التحق بمدرسة الخديوية الثانوية، وفي تلك الفترة تعرف إلي صديق عمره فتحي رضوان وأنشأ بمعاونة صديقه جمعية مدرسية سميت جمعية نصرة الدين الإسلامي استمرت فترة قصيرة ثم توقفت. وحين أنهى دراسته الثانوية سنة 1928 التحق بكلية الحقوق، جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حالياً).
صاحب مشروع القرش في تلك الحقبة من بداية ثلاثينات القرن الماضي بلغ تعداد مصر 24 مليون نسمة، وكانت لا تزال ترزح تحت نيران الاحتلال البريطاني الذي يستنزف ثروات المصريين، وكان الاقتصاد المصري يعاني انخفاض أسعار القطن وبحاجة ماسة إلي انشاء صناعات وطنية.. فنادى أحمد حسين بمشروع القرش الذي يعتمد على التبرعات من أفراد الشعب المصري ولو بقرش صاغ واحد لإنشاء مصنع، نجحت الفكرة وجمعت التبرعات سنة 1931 وتم انشاء أول مصنع للطرابيش بحي العباسية بعد أن بلغت حصيلة تبرعات المصريين في العام الأول 17 ألف جنيه وفي العام الثاني 13 ألف جنيه وفي أواخر عام 1933 بدأ الطربوش المصري يطرح في الأسواق.
خلال تلك الحملة الشعبية التي قادها أحمد حسين شكلت جمعية مصر الفتاة التي ظهرت كجمعية وطنية في أكتوبر 1933 وكانت تتسم بأنها جمعية وطنية تتبنى الشعارات المصرية الخالصة، فكان من مبادئها: لا تتحدث إلا بالعربية ولا تشتري إلا من مصري ولا تلبس إلا ما صنع في مصر، ولذا كانت هذه الجمعية مقصداً للشباب الذين انخرطوا في تشكيلاتها شبه العسكرية وهم تشكيلات القمصان الخضراء.
والملاحظ أن هذه الجمعية التي سرعان ما أصبحت حزباً سياسياً سنة 1936، وكانت قيادة هذه الحزب في يد الشباب ولم تكن في يد الساسة الكبار، ولذا كانت حماستهم عالية وأصدر الحزب جريدة الصرخة التي طالبت بجلاء الإنجليز وإلغاء الامتيازات الأجنبية وإدخال الخدمة العسكرية العامة إلى مصر، وكانت مصر الفتاة تقوم بمسيرات وطنية مما عرض أعضاءها للاضطهاد، كما تعرض أحمد حسين للسجن والمحاكمة مرات عديدة. في أواخر الثلاثينات طالب حزب مصر الفتاة بتحسين مستوي العمال والفلاحين ودعا أحمد حسين إلى إنشاء نقابات عمالية وتخفيف الضرائب عن الفلاحين، كما دعا إلى تأميم قناة السويس وفي عام 1938- 1939 أيدت مصر الفتاة الملك فاروق ونادت بإحياء الخلافة في شخص الملك وطالبت بالأخذ بالشريعة الإسلامية باعتبارها أساس الحياة في مصر وحملت الحضارة الغربية مسئولية تفكيك نسيج المجتمع المصري وإضعاف ما تميز به من تكامل ونادت بأن تتولى القاهر زعامة الشرق وأن يصبح الأزهر الناطق باسم الأمم الإسلامية.
وفي 18 مارس 1940 تحول حزب مصر الفتاة إلى الحزب الوطني القومي الإسلامي، وكان ذلك محاولة لجذب قطاعات أكبر من الشباب الذين تأثروا بدعوة الإخوان المسلمين.. وقد نادى الحزب الوطني الإسلامي بالوحدة العربية والتحرر من كل نفوذ أجنبي.
هبت علي المجتمع المصري رياح عديدة، إذ كان البعض في مصر يأملون أن يؤدي انتصار الألمان والإيطاليين إلى هزيمة الإنجليز وبالتالي انسحابهم من مصر، لكن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، وعلي أي الأحوال فقد وضعت الحرب أوزارها، وكان أحمد حسين قد تعرض للسجن فترة طويلة إبان فترة الحرب، لكنه وقد خرج من السجن فقد بدأ الدعوة إلى الاشتراكية بينما دعوات الإصلاح الاجتماعي تخرق آذان شعوب أوروبا، وكانت مصر قد بلغت 19 مليون نسمة والحرب العالمية قد دمرت اقتصادها وظهر على وجهها شحوب اقتصادي من جراء الثمن الباهظ الذي دفعته في هذه الحرب وبسبب استشراء الإقطاع الزراعي وتفشي البطالة وفساد الحكم والسراي وتدني الأجور، ولذا تحول أحمد حسين إلى هذا الميدان سنة 1948، وأصدر جريدة اشتراكية، وصار اسم الحزب «حزب مصر الاشتراكي» وتحولت مصر الفتاة إلى حركة تطالب بالعدالة الاجتماعية منذ 1948 حتي 1950.
وتضمنت مبادئ الحزب أهدافا تدعو إلي تحديد الملكية الزراعية ب 50 فداناً وإلغاء سيطرة رأس المال على الحكم وإلغاء النظام الطبقي وتذويب الفوارق في المجتمع وإعادة توزيع الدخل وإلغاء نظام المرتب والألقاب وتأميم الصناعات الكبري.
وتحولت مانشيتات صحيفة الحزب إلى الدعوة الصريحة إلى الاشتراكية والثورة، مما كان تمهيداً حقيقياً لقيام ثورة 23 يوليو 1952 التي قادها جمال عبدالناصر.
حين أطاحت ثورة يوليو بالملكية ووضعت المبادئ التي يؤمن بها قادتها موضوع التطبيق.. كان منطقياً ان يتم اختيار عدد من شباب مصر الفتاة للمشاركة في النظام الجديد، فوقع اختيار عبدالناصر على فتحي رضوان ونور الدين طراف ليصبحا وزيرين، لكن من ناحية أخرى توقف جهاد مصر الفتاة بعد إلغاء الأحزاب عام 1953. وسرعان ما تم القبض على أحمد حسين خلال أزمة مارس 1954 وأودع السجن الحربي وتعرض للتعذيب حين حدث الصراع بين اللواء محمد نجيب وعبدالناصر إذ كان قد أرسل برقية لهما قال فيها: «إن مصر ليست ضيعة أو عزبة تتداولونها».
وعندما تم الإفراج عنه انتقل أحمد حسين إلي سوريا للحياة فيها ثم لبنان ولندن والسودان، ولم يكف خلال هذا التحول عن إرسال البرقيات إلى الرئيس جمال عبدالناصر الذي كان عضواً سابقا في مصر الفتاة هو وأنور السادات وحسين الشافعي وفي هذه البرقيات كان أحمد حسين يطالب بالديمقراطية ويحذر من الاستبداد والديكتاتورية.
عاد أحمد حسين إلى ممارسة المحاماة وعاد إلى مصر سنة 1956 واعتزل العمل السياسي والمحاماة سنة 1960 وتفرغ للكتابة وأصدر مجموعة من المؤلفات بينها موسوعة تاريخ مصر في خمسة أجزاء و«إيماني» و«الأرض الطيبة»، وعدد من الكتب الأخرى.
وقد توفي في 26 سبتمبر سنة 1982