كتب – وسيم عفيفي
تتفاوت أشكال ردود الفعل التاريخية تجاه مذبحة القلعة التي اندلعت وتيرتها في 1 مارس سنة 1811 م .
هناك يراها مذبحة متكاملة الأركان من حيث انعدام الآدمية وتفشي الوحشية
وهنا من يراها أنه رد فعل سياسي من محمد علي تجاه المماليك والذين كانوا يتسمون بالخيانة مما جعل محمد علي يؤمن بأنهم خطر على مشروع دولته .
بين هذا وذاك لم يتكلم أحد من أسرة محمد علي عن رأيه في تلك المذبحة طوال 122 سنة
حتى يجيء الأمير محمد عمر طوسون نجل الأمير محمد طوسون باشا ابن والي مصر محمد سعيد باشا ابن محمد علي باشا ، ويدلي بدلوه في مذبحة القلعة ، ليكون أول من تكلم عن مذبحة القلعة من الأسرة العلوية التي أسسها محمد علي في سنة 1805 م واستمرت حتى قيام حركة الجيش في 23 يوليو سنة 1952 م
ففي الأول من شهر مايو سنة 1933 م ، نشرت مجلة الهلال مقالا مطولاً من 4 صفحات كاملة تحت عنوان ” كيف انتهى المماليك بعد مذبحة القلعة ” .
جاء هذا المقال في إطار تغطية الهلال لمحاضرة لعمر طوسون في المجمع العلمي ، أشار فيها إلى أن المماليك لم ينتهوا بعد مذبحة القلعة ، حيث أن ظل منهم أحياء وماتوا إما حرباً أو جوعا
وكشف عمر طوسون أنه بعد مذبحة القلعة بـ 3 سنوات توفي أقدم اثنين من قادة المماليك وهما إبراهيم بك الكبير و عثمان بك حسن ، وتولى إدارة المماليك خلفاً منهما عبدالرحمن بك ومحمد بك منفوخ واللذين أرسلا لمحمد علي خطابا يفيد برغبة المماليك في رجوع مصر كمواطنيين فوافق محمد علي مشترطاً أن لا يستردوا أي شيء من ملكهم ولا يغادروا مصر إلا بعلمه ، فأذعنوا للشروط عدا 26 لقوا حتفهم في حروب محمد علي
الحقيقة في علاقة محمد علي بالمماليك أن محمد علي لم يبدأ مع المماليك الحل الدموي ، فلقد حاول معهم إبرام الصلح والارضاء بالأموال لدرجة أنه أراد أن يسترضي مراد بك زعيم المماليك وأعطاه حكم الوجه القبلى مقابل فريضة من المال وعدم مساعدة المماليك للانجليز
أرسل السلطان العثماني لمحمد على يطلب منه تجهيز الجيوش والخروج لمحاربة الحركة الوهابية فى شبة الجزيرة العربية .
تسرب القلق لمحمد علي حيث رأى أنه إذا خرج الجيش في هذا الوقت وترك محمد على وحيدآ دون حماية فسوف يفكر المماليك في انتهاز هذه الفرصة والقضاء عليه ، لذلك فكر محمد على في انتهاز هذه الفرصة والقضاء عليهم حيث فكر في أن يدعو زعماء المماليك إلى القلعة بحجة أنه سوف يقيم حفلا لتوديع الجيش الخارج لمحاربة الوهابيين ، وذهبت الدعوة إلى المماليك في كل صوب من أركان مصر من مشرقها إلى مغربها ولم يشك زعماء المماليك في نية محمد على بل استعدوا وارتدوا الملابس الرسمية استعداداً للحفل وهم لا يعلمون أنه سوف يكون اخر يوم لهم في الحياة .
وحل يوم الأول من مارس ، واستعد محمد علي للحفل وجاء زعماء المماليك بكامل زينتهم يركبون على أحصنتهم وبعد أن انتهى الحفل الفاخر دعاهم محمد علي لكى يمشون في موكب الجيش الخارج للحرب .
استغل محمد علي فرصة تقليد ابنه طوسون قيادة الحملة الموجهة لصد الوهابيين فأقام حفلاً كبيرًا لتقليده، ودعا أمراء المماليك مع بقية الكشاف والأمراء لحضور هذا المهرجان واستقبلهم بترحاب في قاعة الاستقبال، واعتذر من حضر من المماليك عن تخلف بقية زملائهم في الصعيد، فتظاهر محمد علي بقبول الاعتذار، وعندما بدأ موكب الحفل سار في مقدمة الطابور فرسان الدلاة ثم مشاتهم يليهم فرسان المماليك ثم بقية الجند من الأرناؤود، ولم يكد الموكب يخرج من باب العزب حتى استمر الباب مفتوحًا ليخرج الفوج الأول من الجنود وكذلك رئيس الشرطة والمحافظ والوجاقلية ، ثم أغلق الباب فجأة قبل أن يخرج أي من المماليك فلما رأوا الباب يغلق أخذوا في الاستعداد للقتال، ولكن جنود محمد علي الذين كانوا قد تسوروا القلعة وأسوارها أمطروهم بوابل من الرصاص ، فلم يستطيع المماليك الدفاع عن أنفسهم إذ لم يكونوا يحملون سوى السيف، وما هي إلا ساعات حتى انتهت المجزرة وأسفرت عن قتل 470 منهم ولم ينج سوى أمين بك الذي قفز بفرسه واستطاع النجاة بينما قتل الفرس وسار في الصحراء حتى وصل إلى الشام.
لم يختلف الأمر كثيراً في شوارع القاهرة ، حيث أخذ الجنود ينهبون بيوت أمراء المماليك حتى بلغ عدد البيوت التي نهبت خمسمائة منزل واستمر السلب والنهب لمدة يومين حتى نزل محمد علي إلى المدينة لوضع حدا لهذا النهب.
وفى الأقاليم أصدر محمد علي أوامره بقتل المماليك كما قام إبراهيم باشا بمطاردة فلول المماليك إلى النوبة ودنقلة ، بينما استطاع ستين مملوكًا الفرار إلى الشام