الرئيسية » رموز وشخصيات » “شكيب أرسلان” اشتهر بـ “الفكر” فصار لقبه “أمير البيان”
شكيب أرسلان
شكيب أرسلان

“شكيب أرسلان” اشتهر بـ “الفكر” فصار لقبه “أمير البيان”

وسيم عفيفي
يعتبر شكيب أرسلان من الأعلام البارزة في العالم العربي والإسلامي ، بصفته واحد من أشهر المفكرين والشعراء والسياسين في بداية القرن العشرين لِمَا له مواقفة واضحة تجاه الأحداث السياسية التي عاصرها .
عُرِف كأديب، شاعر، صحفي، مؤرخ، داعية، سياسي ومترجم، وأمير من دروز لبنان، وقد حمل شكيب أرسلان على مدار حياته هموم المسلمين وهموم أمته فعمل على الدفاع عنهم ومناقشة قضاياهم وتعريف العالم بهم، وبحث أرسلان في السياسة الإسلامية قبل انهيار الدولة العثمانية،هذا بالإضافة لدعوته للوحدة الإسلامية والوحدة الثقافية.
وفق القصة السورية فهو شكيب بن حمود بن حسن بن يونس أرسلان، من مواليد 25 ديسمبر سنة 1869، الموافق 1 رمضان سنة 1286 هـ ، في بيت عريق من بيوت الإمارة اللبنانية في الغرب، والتي يعود نسبها إلى الملك المنذر بن النعمان من أشهر ملوك الحيرة.
ولد شكيب أرسلان في بلدة الشويفات في لبنان مركز العائلة الأرسلانية، والده الأمير حمود كان محباً للأدب والأدباء، وتجتمع إليه الشخصيات الفذة في بلده، وكان مسموع الكلمة مهيب الجانب على بسطة من الحياة والرزق والجاه، وكان مديراً لناحية الشويفات فإليه ترنو أبصار بلدته وأهله وعشيرته، تزوج من امرأة شركسية الأصل أنجبت له خمسة أولاد، أخذ بيدهم إلى العلم والثقافة وكان منهم الأمير شكيب أرسلان.

الأمير شكيب أرسلان

الأمير شكيب أرسلان

تعلم شكيب في بلدته الشويفات مبادئ القراءة والكتابة والقرآن على شيخ من أهل بلدته، ثم دخل مدرسة الأميركان، وتعلم فيها مبادئ اللغة الإنجليزية، ثم انتقل إلى بيروت ليتلقى دروسه في مدرسة الحكمة المارونية، والتي كانت مشهورة بتعليم أصول اللغة العربية، والفرنسية، والتركية. ونبغ شكيب في ذلك متفوقاً وبامتياز، ونال شهادتها سنة 1886، ثم انتقل إلى المدرسة السلطانية لتعلم اللغة التركية والفقه، كما حضر درس مجلة الأحكام العدلية على الإمام محمد عبده، ولازمه في مجالسه الخاصة، حتى كان للإمام عبده أثر كبير في حياة شكيب وفي تكوينه وتوجيهه، فاتخذه مثلاً أعلى لحياته، ورأى في أدبه وسيرته ودعوته للإصلاح وعمله لخير المسلمين طريقاً يسلكها، وشعاراً يرمي إليه، ونهجاً يسير فيه، حتى غدا يقلده في خطابه وفي آثاره ومقالاته.
نظم شكيب أرسلان الشعر وهو في منتصف العقد الثاني من عمره، وظهر نبوغه في الكتابة وغطت على شعره، فبدأ يراسل جريدة الأهرام المصرية بتوقيع (ش) وظل على ذلك سنين فاستفاضت شهرته، وفي عام 1887 نشر ديوان شعره الأول وأسماه الباكورة.
سافر شكيب إلى مصر وعمره إحدى وعشرون سنة، ولازم أستاذه محمد عبده وتعرف من خلاله إلى أرقى الشخصيات في مصر، وإلى مجموعة من طلائع النهضة العربية منهم: سعد زغلول، والشيخ علي يوسف صاحب جريدة المؤيد، وكذلك أحمد زكي باشا الذي أصبح شيخ العروبة في تحقيقاته وكتبه وأدبه. وتعرف إلى كثير من الشعراء والأدباء والساسة تضيق عن استيعاب أسمائهم وأمجادهم سطور وسطور، وكان لهذه البيئة أثر في حياة شكيب حيث كانت تمثل أكبر جامعة من الجامعات دخلها وخرج منها على اطلاع وثقافة وسياسة فزادته يقيناً برسالته التي راحت تراود أحلامه وأمانيه، وهي رسالة الدعوة إلى الإسلام والدفاع عن الخلافة والذود عن العرب ومناضلة الاستعمار.
سافر شكيب إلى باريس وهناك تعرف على الشاعر الكبير أحمد شوقي، كما تعرف على جمال الدين الأفغاني في الآستانة .

شكيب أرسلان

شكيب أرسلان

تولى شكيب مديرية الشويفات مدة سنتين بعد وفاة والده الذي كان يشغل هذا المنصب ثم مدير منطقة الشوف مدة ثلاث سنوات، كما عُين نائباً في مجلس المبعوثان العثماني مرة عن اللاذقية ومرة أخرى عن منطقة حوران، وعُين مفتشاً لجمعية الهلال العثماني، وسافر تحت لواء هذا الهلال إلى طرابلس الغرب للدفاع عن إخوانه هناك فكان يحث الهمم ويؤمن المؤن ويضمد الجرحى، كما وقف في خطوط القتال مؤمناً بأنه: (إن لم ندافع عن صحارى ليبيا، لا نستطيع الحفاظ على جنان الشام).
دعا شكيب إلى الجامعة الإسلامية في ظل الحكم العثماني، ووقف في وجه التعاون مع الغرب خاصة مع فرنسا وإنجلترا ضد الدولة العثمانية، واعتبره أشد خطراً على الإسلام والعرب، وكان يدعم الخلافة العثمانية في مقالاته في جريدة (الشرق) ويدعو إلى نصرة الإسلام ضد الغرب المستعمر، ويعمل على وحدة المسلمين والإبقاء على سمعة الخلافة العثمانية وقوتها وسيطرتها كما كانت في عهد الأمويين والراشدين.
وبالرغم من دفاع شكيب عن الخلافة العثمانية قبل وفي ظل الحرب العامة، إلا أنه أخيراً استاء من سياسة القائد العثماني جمال السفاح، الذي طغى وبغى وقتل ونفى وهجر حتى طفح الكيل، حيث أنقذ الأمير شكيب من مظالم جمال باشا العديد من الشخصيات السورية واللبنانية نذكر منهم فارس الخوري الذي ظل حتى آخر حياته يذكر أن شكيب أرسلان أنقذه من الموت.
ثم توترت علاقات الأمير بجمال باشا لتكاثر تدخلاته، وهُدد مراراً بعدم التدخل، وقد نصحه الكثيرون ألاّ يتمادى في التدخل حرصاً على حياته.
فهاجر من سورية إلى استانبول سنة 1917، وقرر ألا يعود إلى سورية وجمال السفاح فيها.
دعته الحكومة الألمانية في نفس العام لزيارة عواصمها، فلبى الدعوة، وهناك وُفق في إقناع الألمان وساسة الأتراك في إرجاع جمال السفاح إلى الآستانة.
وبهذا خدم شكيب قومه وأنقذ البقية الباقية من الزعماء السوريين من حبل المشنقة، كما خدم بلاده في إعادة منفيي سورية إلى أوطانهم.
لما انتهت الحرب العالمية بإخفاق الألمان والأتراك، انتقل شكيب إلى برلين وأقام هناك حيث أسس العديد من الجمعيات وانتخب رئيساً لـ (النادي الشرقي) الذي هو مؤسسه.
وهناك نهج سياسة جديدة، فبعدما وقف من الثورة العربية أول الأمر موقف المخالف لأنها كانت ضد الخلافة العثمانية فلما انتصرت وعُين فيصل ملكاً، نراه يشد أزر مليكهم وينتصر لهم ضد دسائس المستعمرين الأوربيين، وأصبح ينادي بأنه جندي من جنود الأمة العربية له ثلاثة أهداف جليلة واضحة
أولها الاتحاد وثانيها التحرر وثالثهما السير في موكب النهضة والعلم.
وكان يعرب عن أمله في مستقبل العرب والجامعة العربية فيرى أن ستين مليوناً يستطيعون أن يجندوا حوالي مليون جندي على الأقل لحماية الجامعة العربية.
عرّفه خليل مطران بـ (إمام المترسلين)، ولقبه أخوه الخبير بعلمه وفضله السيد رشيد رضا بـ(أمير البيان).
في عام 1935 ترأس الأمير شكيب أرسلان المؤتمر الإسلامي الأوروبي الذي عقد في جنيف.
وفي عام 1937 سمح للأمير شكيب بزيارة سورية، فطاف مدنها وخطب في قومه وحاضر في أندية علمية مختلفة، واختاره المجمع العلمي العربي بدمشق رئيساً له تكريماً لجهاده وإكباراً ليده، لكنه اعتذر احتجاجاً على فرنسا التي تنكرت للمعاهدة المعقودة مع سوريا سنة 1936، فاضطر للعودة إلى جنيف في ظل فترة الحرب العالمية الثانية، حيث نسج شبكة علاقات واسعة مع السوريين في أمريكا اللاتينية، فراسلهم وكتب المقالات في مجلاتهم ووجه خطواتهم في عقد المؤتمرات وتشكيل الجمعيات، كما شارك في الخطوات السياسية للزعماء العرب المعادين لفرنسا وبريطانيا والساعين لاستقلال ووحدة البلاد العربية، وأبرزهم الحاج محمد أمين الحسيني ورشيد عالي الكيلاني وعلال الفاسي ومصالي الحاج الزعيم الجزائري، وغيرهم في المشرق والمغرب على السواء.
كان الأمير شكيب قد تزوج عام 1916 من السيدة سليمى بنت الخاص بك حاتوغو وهي قفقاسية ومن سكان منطقة السلط في الأردن، وأنجبت له: ولده غالب عام 1917 في جبل عالية بلبنان، ومي عام 1928 في لوزان، وناظمة عام 1930 في جنيف.
عاد شكيب أرسلان إلى بيروت في 30 أكتوبر 1946، فمتع نظره بمشاهدة وطنه حراً مستقلاً طليقاً من الاحتلال والاستبداد ـ
إلا أنه تحالف عليه مرض تصلب الشرايين والنقرس والرمل في الكليتين، وثقل الثمانين عاماً، فلم تطل مقاومته فلفظ أنفاسه الأخيرة ليلة الاثنين في 9 يناير 1946.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*