كتب – وسيم عفيفي
يبقى السؤال كل يوم 1 يناير عن انفصال السودان عن مصر
والسؤال هو هل قام جمال عبدالناصر بالتفريط في السودان ؟
الإجابة عن هذا السؤال ستكون ناقصة بدون أن نتطرق إلى بداية التدخل المصري في السودان
كانت بداية التدخل المصري في السودان حين كانت جيوش محمد علي تحاول إعادة السودان لدولة الخلافة عام 1821 م
وبعد ستون عاما من الحكم العثماني للبلاد نهض محمد أحمد المهدي لمحاربة الخلافة العثمانية، و وقعت أولى معاركه مع الجيش المصري بقرية الجزيرة أبا عام 1881م وسيطر على الخرطوم عاصمة البلاد في يناير من العام1885م.
تولى الحكم بعد المهدي الخليفة عبد الله التعايشي وسط معارضة واسعة من أنصار محمد احمد المهدي وأهله الذين رأوا في الخليفة شخصا أقل طبقة منهم، واستطاع الخليفة بالحزم والعنف أن يسيطر على البلاد، وقام باستدعاء أهله من غرب البلاد إلى العاصمة وكانت العاصمة آنذاك هي مدينة امدرمان، واتسمت فترة حكمه بالاضطراب والعنف والقتل.
قررت بريطانيا القدوم لمقتل حاكمها السابق غردون وتمت المعارك في 29يوليو 1896، واستطاعت بريطانيا هزيمة المهديين في معركة أبي حمد و في معركة عطبرة 8إبريل 1897.
وفي 4 سبتمبر 1899 دخل كتشنر الخرطوم ورفع العلمين المصري والبريطاني وقامت بريطانيا بإرسال بلاغ إلى الحكومة المصرية قالت فيه “لبريطانيا حق الاشتراك في حكم السودان بما ضحت من المال والرجال”.
أما في 24 نوفمبر 1899 تم قتل الخليفة عبد الله وأكثر أمراءه وأسر بقية أمراءه وذلك في معركة ام دبيكرات.
بعد مقتل الخليفة عبد الله تم توقيع اتفاقية الحكم الثنائي المصري البريطاني على السودان، رفع العلمين البريطاني والمصري على الأراضي السودانية عدا بعض المناطق فيرفع فيها العلم المصري فقط ويكون الحاكم العام للسودان بريطانياً ومعاون الحاكم مصري.
تتحمل الحكومة المصرية كافة النفقات في السودان ويتم إلغاء الامتيازات الأجنبية في السودان.
وهنا إثبات بأن مصر لم تكن دولة محتلة للسودان كون أن مصر كانت محتلة ولا تملك من أمرها شيئاً وظهر هذا الأمر في الأمر البريطاني بإخراج الجيش المصري من السوادن بعد اغتيال السير لي ستاك حاكم عام السودان كما إن عودة الجيش المصري للسوادن كان طبقاً لاتفاقية الآستانة الموقعة بين بريطانيا والسلطان العثماني. كذلك دخول مصر للسودان في المرة الأولى كان بأمر من الخليفة العثماني لواليه في مصر محمد علي باشا.
و مصر لم تقبل بيع السودان
ففي عام 1924 تم اغتيال السير لي ستاك حاكم عام السودان في شارع أبو الفداء بالقاهرة ثم كانت بداية الأزمة بين الحكومة المصرية والبريطانية إذ قررت بريطانيا مسؤلية مصر في الحادث وترتب عليها إخراج الجيش المصري من السودان و تضامن عدد من الضباط السودانيين مع المصريين
ثم اندلعت في البلاد ما سمي بثورة 24 بقيادة علي عبد اللطيف وآخرون وتم إخماد الثورة وقتل قادتها وأسر علي عبد اللطيف ثم نفيه لاحقا إلى مصر وتم طرد الجيش المصري من السودان. دللت أزمة ثورة 24 على أن الوجود المصري بالسودان لم يكن استعماراً مصرياً بل احتلالاً بريطانياً للسودان ، طبقا لما جاء في بوابة المعلومات الدولية .
وبشأن تفريط عبدالناصر في السودان ، فيكون السؤال هل قام مجلس قيادة الثورة بعمل جديد بإقرار حق تقرير المصير للسودان ؟
وفق كتب التاريخ المتخصصة في الحقبة الملكية فقد أقرت مصر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حق تقرير المصير للسودان بموافقة ملكية و عبر عدة حكومات وهي
1 ) موافقة إسماعيل صدقي باشا في مشروع إتفاقية صدقي-بيفن 25 أكتوبر 1946 على منح حق تقرير المصير للسودان بعد فترة حكم ذاتي للسودانيين.
2 ) في 22 أغسطس 1947 قال النقراشي باشا في إطار شكوى مصر أمام مجلس الأمن بنيويورك أن السودانيين سيتحدثون عن أنفسهم و مستقبل السودان سيقرر بالتشاور مع السودانيين و ان الشعب السوداني حر في بلاده.
3 ) في إطار مباحثات خشبة- كامبل في حكومة النقراشي مايو 1948 وافق خشبة ضمنيا على حق تقرير المصير بناء على موافقته على إنشاء المجلس التنفيذي السوداني و الجمعية التشريعية بمشاركة مصرية-إنجليزية للمساهمة في إعداد السودانيين للحكم الذاتي و تقرير المصير.
4 ) في 26 اغسطس 1950 اقترح صلاح الدين باشا اقترح اقامة فترة حكم انتقالية بالسودان الى 1953 لتأهيل السودانيين للحكم الذاتي و بعدها يكون لهم حق تقرير مصيرهم ضمن مفاوضات صلاح الدين بيفن.
5 ) في 7 ديسمبر 1950 أقر صلاح الدين باشا مشروع “سودنة” السودان بتحويل كل الوظائف للسودانيين و سحب كل الموظفين المصريين من البلاد.
6 ) في 16 نوفمبر 1951 بالامم المتحدة وافق محمد صلاح الدين باشا وزير الخارجية بحكومة الوفد على سحب كل موظفي و قوات مصر بشرط ترافقها مع سحب قوات و موظفي انجلترا و بعدها فترة انتقالية للسودنة ثم الحكم الذاتي و لاحقا حق تقرير المصير.
7 ) في 8 أكتوبر 1951 صدر مرسوم مصطفى النحاس و أُقر يومي 16 و 17 أكتوبر بأن يكون للسودان دستور منفصل عن دستور مصر و تضعه جمعية منتخبة سودانية دون تدخل مصري في إشارة واضحة لكون السودان منفصل عن الادارة السياسية المصرية و قد كان الملك فؤاد يريد عام 1922 منح نفسه لقب ملك مصر و السودان لولا ان المندوب السامي اللنبي يوم 2 فبراير 1922 أعطاه إنذار بعدم كتابة هذا بالدستور لتعارضه مع المصالح البريطانية فأذعن لها و لم يضعها ضمن دستور عام 1923.
هنا نجد بوضوح إقرار لمسألة الحكم الذاتي و حق تقرير المصير من مصر الملكية عبر حكومات صدقي و النقراشي و بيفن ، و لئن كانت الحكومات تصر على إضافة عبارة “وحدة وادي النيل تحت التاج المصري” فهذا أيضاً توافق مع مذكرة اللواء محمد نجيب رئيس مجلس قيادة الثورة في 2 نوفمبر 1952 لإنجلترا و التي أقرت كل ما سبق ضمن وحدة وادي النيل و حق تقرير المصير و فترة حكم ذاتي ووقع على هذه المذكرة كل السياسيين السودانيين بلا استثناء.