الرئيسية » رموز وشخصيات » “مراد بك” تعدد الغزاة والدور في الخيانة واحد
مراد بك

“مراد بك” تعدد الغزاة والدور في الخيانة واحد

كتب – وسيم عفيفي
كان مراد بك من العلامات التي تتسم بها دولة المماليك تلك الدولة المُعمّرة في مصر من حيث أن مؤسسيها وأشهر قادتها قدموا خدمات سديدة للإسلام والمسلمين ومصر إلا أن لكل شيء شرود ومن ضمن الشرود الذي أصاب هذه الدولة هو الولاة الذين تولوا أمرها ومن ضمنهم مراد بك .

مراد بك

مراد بك

مراد بك هو مملوكي جركسي الأصل وكان زعيم سلاح الفرسان والحاكم المشترك لمصر مع ابراهيم بك كان علي بك الكبير يضمن ولاء وحب كل المماليك له ولذا فكان مراد من ضمن مماليك علي بك الكبير وكان من قادة الجيوش التي ذهبت لبلاد الشام لكي يضموها إلى مصر ، غير أن خيانة محمد بك أبو الدهب الرجل الثاني بعد على بك الكبير جعلت حلم علي بك الكبير حلماً مستحيلاً .

محمد بك أبو الدهب

محمد بك أبو الدهب

أصبح محمد بك أبو الدهب هو الحاكم لمصر وسعى لتثبيت الحكم العثماني واسترضاء السلطان العثماني ولكنه لم يمكث إلا ثلاثة أعوام مات بعدها فجأة, ثم تولى إبراهيم بك الحكم وتقاسم بعض سلطاته مع مراد بك دون الدخول تحت طاعة الباشا الذي عينه السلطان العثماني وفوجئ شريكي الحكم بحملةٍ عسكرية أرسلها عبد الحميد الأول بقيادة حسن باشا الجزايرلي فقاوما هذه الحملة، غير أن حسن باشا انتصر عليهما, وحتى يكسبهما إلى جانبه أعطاهما حكم المنطقة الواقعة ما بين برديس – قرب سوهاج – حتى شلال أسوان غير أن المماليك حشدوا صفوفهم وهيأوا الفرصة لإبراهيم بك ومراد بك للعودة إلى القاهرة والسيطرة على البلاد مرة أخرى.
وآل بعدها إلى مراد بك وإبراهيم بك منصب شيخ البلد، وكان شيخ البلد حينها هو الحاكم الفعلي لمصر ويحكى أن أمراء مماليك اعتدوا على بعض فلاحي مدينة بلبيس فحضر وفد منهم إلى الشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الأزهر وقدموا شكواهم له ليرفع عنهم الظلم ،فغضب الشرقاوي وتوجه إلى الأزهر, وجمع المشايخ، وأغلقوا أبواب الجامع، وأمروا الناس بترك الأسواق والمتاجر ، واحتشدت الجموع الغاضبة من الشعب ، فأرسل إبراهيم بك شيخ البلد لهم أيوب بك الدفتردار، فسألهم عن أمرهم. فقالوا: نريد العدل ورفع الظلم والجور وإقامة الشرع وخشي زعيم الأمراء مغبة الثورة فأرسل إلى علماء الأزهر يبريء نفسه من تبعة الظلم، ويلقيها على كاهل شريكه مراد بك.
وأرسل في الوقت نفسه إلى مراد يحذره عاقبة الثورة، فاستسلم مراد بك ورد ما اغتصبه من أموال، وأرضى نفوس المظلومين.
لكن العلماء طالبوا بوضع نظام يمنع الظلم ويرد العدوان اجتمع الأمراء مع العلماء، وكان من بينهم الشيخ السادات وعمر مكرم والشيخ الشرقاوي والشيخ البكري والشيخ الأمير وأعلن الظالمون أنهم تابوا والتزموا بما اشترطه عليهم العلماء.

وأعلنوا أنهم سيبطلون المظالم والضرائب والكف عن سلب أموال الناس والالتزام بإرسال صرة مال أوقاف الحرمين الشريفين والعوائد المقررة إليهم وكانوا ينهبونها. وكان قاضي القضاة حاضراً، فكتب على الأمراء وثيقة أمضاها الوالي العثماني وإبراهيم بك ومراد بك شيخا البلد وعندما وصل جنود الحملة الفرنسية غرب مدينة الإسكندرية في 2 يوليو عام 1798 زحفوا على المدينة واحتلوها بعد مقاومة من جانب أهلها وحاكمها محمد كريم دامت ساعات وبعد ذلك أخذ نابليون يزحف على القاهرة بطريق دمنهور، حيث استطاع الفرنسيون احتلال مدينة رشيد في 6 يوليو ووصلوا إلى الرحمانية وهي قرية على النيل وفي تلك الأثناء كان المماليك يعدون جيشاً لمقاومة الجيوش الفرنسية بقيادة مراد بك حيث التقى الجيشان بالقرب من شبراخيت في 13 يوليو إلا أن الجيوش المملوكية هُزِمَت واضطرت إلى التقهقر فرجع مراد بك إلى القاهرة كانت قوات مراد بك تمتد من بشتيل وإمبابة إلى الأهرامات وكان جيشه يتألف من نحو خمسين ألفاً من المماليك وممن انضم إليهم من الانكشارية وغيرهم، هذا عدا العربان الذين تألفت منهم إلى حد كبير ميسرة الجيش الممتدة من الأهرامات إلا أن جيش مراد بك كان يعاني من سوء التدبير وإهمال أمر العدو، فضلاً عن الجفاء الواضح بين مراد بك وإبراهيم بك بسبب التنافس القديم على السلطة التقى كلٌ من الجيش الفرنسي والجيش المملوكي مرة أخرى في موقعة إمبابة أو موقعة الأهرام، حيث هُزِمَ جيش مراد بك مرة أخرى في هذه المعركة الفاصلة في 21 يوليو، وفر مراد بك وبقايا جيشه إلى الجيزة، فصعد إلى قصره وقضى بعض أشغاله في نحو ساعة، ثم توجه إلى الصعيد.
وأما إبراهيم بك الذي كان مرابطاً بالبر الشرقي من النيل فحين رأى الهزيمة حلت بجيوش مراد بك أخذ من تبعه من مماليك ومصريين والوالي التركي وانسحبوا جميعاً قاصدين بلبيس خلت القاهرة من قوة الدفاع ونجح نابليون بونابرت في احتلالها ودخل القاهرة في 24 يوليو عام 1798 مصحوباً بضباطه وأركان حربه ونزل بقصر محمد بك الألفي في الأزبكية.

نابليون بونابرت

نابليون بونابرت

ثم أرسل نابليون بونابرت حملة إلى الصعيد لمطاردة مراد وإخضاع الصعيد بقيادة الجنرال ديزيه، ثم أرسل إليه أيضاً قنصل النمسا في الإسكندرية شارل روزنتي برسالةٍ مضمونها أن يقدم مراد الطاعة إلى الفرنسيين، مقابل ذلك يجعله الفرنسيون حاكماً على الصعيد.
رفض مراد هذا العرض بحسم وكان مستغرباً أن يتحدث مراد بك بهذه الثقة الزائدة التي تعكس استخفافاً بالغاً بالخصم الذي هزم مراد شر هزيمةٍ في إمبابة وجعله يفر بجيشه إلى الصعيد ، وبطبيعة الحال كان الرد المستفز بداية لحملة مطاردة طويلة بين ديزيه ومراد.
وانطلق مراد يجوب الصعيد وخلفه ديزيه يتبعه، كان مراد يسبق ديزيه بيومٍ أو ليلة. ويبدو أن مراد كان متيقناً من أنه لن يتمكن من مواجهة قوات الفرنسيين، خاصة أنهم يملكون المدافع ويفتقدها هو، لذا اتبع معهم خطة الفرار، والتي تؤدي إلى إنهاك خصمه في مطاردته عبر صحراء شاسعة وبلدان لا يعرف ديزيه عنها شيئاً، وفي المطاردة يفقد الفرنسيون الزاد والمئونة والسلاح أيضاً. حققت هذه الخطة بعض أهدافها، لكن الذي تحمل ثمن وتكلفة تلك الخطة هم المصريون أبناء الصعيد، فلم يكن مراد ينزل بمدينة حتى يلزم أهلها بدفع “الميري”أي الضرائب التي كان يحصلها من الأهالي بعنف، ولا يهم إن كان الأهالي قد دفعوا الضريبة نفسها من قبل للدولة، ثم ما يكاد يتركها، حتى يتبعه ديزيه لينهب هو الآخر، فقد كان بحاجة إلى المال والطعام، فكان جنوده يأخذون الحبوب التي لدى الفلاحين ويذبحون حيواناتهم وطيورهم كطعام لهم، ثم يخلعون أسقف البيوت وأبوابها ونوافذها للتدفئة بها في ليل الشتاء، ويفرضون الضرائب الباهظة من جديد على الأهالي.

كليبر

كليبر

لم يكن مراد قد نشأ على هذا النوع من المعيشة، بعيداً عن قصوره فبدأت المراسلات بين كليبر ومراد بك، وانتهت باجتماعهما في الفيوم حيث اتفقا على أن يحكم مراد بك الصعيد باسم الجمهورية الفرنسية.
وتعهد كليبر بحمايته إذا تعرض لهجوم أعدائه عليه، وتعهد مراد بك من جانبه بتقديم النجدة اللازمة لمعاونة القوات الفرنسية إذا تعرضت لهجوم عدائي أيًا كان نوعه، وأن يمنع أي قوات أو مقاتلين من أن يأتوا إلى القاهرة من الصعيد لمحاربة الفرنسيين، وأن يدفع مراد لفرنسا الخراج الذي كان يدفعه من قبل للدولة العثمانية، ثم ينتفع هو بدخل هذه الأقاليم.
وكانت قمة خيانة مراد بك أثناء ثورة القاهرة الثانية، حيث شارك في عمليات القتال ضد المصريين، ومنع عن القاهرة الإمدادات الغذائية التي كانت ترد إليها من الصعيد ومن الجيزة. ولم يكتفِ مراد بذلك، بل سارع أيضاً بإرسال الهدايا والإمدادات إلى جيش كليبر الذي يحاصر القاهرة، وقدم للفرنسيين المؤن والذخائر، وسلمهم العثمانيين اللاجئين إليه، وسعى إلى سحب المماليك الشرفاء الذين يقاتلون الفرنسيين داخل القاهرة إلى جواره لينضموا إليه في معاهدته وينهي بذلك ثورة القاهرة.
ولما فشل في ذلك أشعل الجنود الفرنسيون الحرائق في البيوت والمتاجر والوكالات، فاندلعت النيران في حي بولاق مصدر الثورة وسقطت البيوت على من فيها، وتناثرت جثث القتلى، واستمر الضرب بالمدافع حتى دمر الحي بأكمله.
ثم تتابع هجوم الفرنسيين على سائر أحياء القاهرة ، واستمرت هذه الأهوال ثمانية أيام جرت في أثنائها الدماء أنهاراً في الشوارع، وأصبحت أحياء القاهرة نسخة مصرية من نيرون. ومن مكانه في الصعيد، أخذ مراد بك يتابع الموقف في القاهرة والإسكندرية بدقة شديدة، وبدأ يرى بعينيه نهاية الحملة، واقتنع بضعف الفرنسيين أمام الإنجليز.
ولأنه لا يستطيع أن يعيش بلا خيانة، فقد اتصل مراد بالإنجليز، ونجحت مفاوضاته معهم بالفعل، وأعلن الإنجليز أنهم سيصفحون عن كل ما ارتكبه مراد إذا ما انضم إلى الإنجليز في المعركة الأخيرة التي كان يجري التحضير لها لإنهاء وجود الحملة في مصر. وهكذا أبدى مراد استعداده التام للانضمام إلى الإنجليز ومحاربة الفرنسييين. وبدا أن مراد بك يغير انتماءه في سرعة كما يغير الواحد منا قميصه في يوم صيفي حار.
وكانت انتماءات مراد كلها لمصلحته ولم تقترب قط من مصلحة المصريين.
وفي ذروة سعادته بأنه نجح في أن يلعب على الجانبين الفرنسي والإنجليزي بنجاح، كان المرض القاتل ينتظره.
فلقد أصابه الطاعون ، ومات به في 22 أبريل عام 1801 ودفن في سوهاج

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*