كتب – وسيم عفيفي
قبل يناير 2011 لم نسمع في الإعلام عن شارع الفلكي ، إلا أنه تردد كثيراً في الوسائل الإعلامية مع كل حادثة سياسية تقع عند ميدان التحرير أو منطقة وسط البلد في القاهرة الخديوية .
إنه شارع الفلكي الذي يقع في منطقة وسط البلد. يبدأ الشارع من ميدان التحرير ويقطعه شارع شريف وينتهي بميدان قصر عابدين وهو الشارع الموازي لشارع محمد محمود .
غير أن الشخصية التي سُمي الشارع على اسمها سيظل علامة فارقة في تاريخ مصر الحديث ، خاصة في عهد الخديوي إسماعيل حيث أنه من رواد علم الفلك والذي كان مؤصل فكرة ربط الظواهر الفلكية بالمعالم الأثرية.
إنه محمود باشا الفلكي ولد محمود الفلكي عام 1815م في قرية الحصة محافظة الغربية تعلم في كُتاب القرية ثم رحل إلى مدينة الإسكندرية حيث ألتحق بالمدرسة وتلقى تعليمه الأول بها التحق سنة 1824 بمدرسة الترسانة البحرية التي أسسها سيريزي خبير بناء السفن في عهد محمد علي وتخرج منها عام 1833 ليُنجز مسيرته التعليمية بمدرسة البوليتكنيك ثم يتخرج منها عام 1839 ويتم تعينه مدرسا للرياضيات في مدرسة المهندسخانة ببولاق وكان مدرسا لمادة الجبر وترجم عن الفرنسية أول كتاب باللغة العربية عن علم التفاضل والتكامل .
وعقب أخذه رتبة ” نقيب ” في عام 1842 توجه إلى دراسة الفلك واستطاع تحديد المساحات المنزرعة من الأرض لتحديد خراجها وذلك بتحديد خطوط الطول ودوائر العرض لنحو ثلاثين نقطة في الدلتا والوجه القبلي كما قام بقياس المساحات المنزرعة على أسس علمية لأول مرة في مصر. وفي عام 1850 توجه هو و إسماعيل مصطفى وحسين إبراهيم لبعثة إلى فرنسا لدراسة الطبيعة بأمر من علي باشا مبارك وقام وهو في فرنسا بكتابة الأبحاث الفلكية في المجلات الأوروبية وفي عام 1854 حصل على شهادته العليا وتنقل بعدها بين العديد من العواصم والمدن الأوروبية .
ثم عاد محمود الفلكى من فرنسا في 18 أغسطس 1859م في عهد سعيد باشا وصار وكيلا للجمعية الجغرافية المصرية ثم رئيساً لها ثم مديراً للمرصد الفلكي وفي عهد الخديوي سعيد تمكن من رسم خريطة للوجه البحري وقررت الحكومة طبعها على نفقتها وتدريسها للطلاب في المدارس ثم بعد ذلك قام برسم خريطة طبوغرافية للقطر المصري بتكليف من الحكومة المصرية وأنجزها في 10 سنوات وتعد مرجعاً أساسياً للجغرافيا المصرية .
وفي عام 1860 قام برصد كسوف الشمس وتسجيله بمنطقة الكسوف الكلى من كليفورنيا حتى جنوب أفريقيا عبر المحيط الأطلسي وذلك باختيار مديرية نقلة في شمال السودان كموقع للرصد وسافر إلى هناك وأستطاع أن يرصد الكسوف لحظة بلحظة وسجله في تقرير بعثه إلى أكاديمية العلوم بباريس والتي أشادت به. تم انتخاب محمود الفلكى في المجلس العالمي في عهد وزارة شريف باشا، كما كان نائباً عن الحكومة المصرية في المؤتمر الجغرافي الذي عقد في مدينة البندقية عام 1881م.
وقام بعدها ببحث عن مدينة الإسكندرية وضع خلاله خرائط لمعالمها القديمة حيث نقب في حفائرها ليصبح أول مصري معاصر ينقب عن آثار الإسكندرية وموقع سورها القديم وقصورها ومتاحفها ومكتبتها القديمة ، وقد كتب بحثه بالفرنسية ويعتبر الفلكي أول عالم يضع أول دراسة علمية يخطط فيها لمعالم الإسكندرية القديمة بناء على ما أكتشفه في أعمال الحفر والتنقيب.
وقد أطلق أسمه على شارع بمدينة الإسكندرية تقديرا لأعماله الجليلة ، وتم اطلاق اسمه بالقاهرة نتيجة لخريطة القطر المصري وعمل محمود الفلكي كوزير للأشغال في وزارة محمود سامي البارودي باشا في عام 1882، ثم عين وكيل لنظارة المعارف في وزارة شريف باشا من عام 1882 إلى عام 1884م .
قدم محمود باشا الفلكي أعمالاً كبيرة ذكرتها كتب التاريخ فيما يلي عمر الأهرام والغرض من بنائها ، التقويم العربي قبل الإسلام ، التقاويم الإسرائيلية التنبؤ بمقدار فيضان النيل قبل فيضانه ، الحالة الحاضرة للمواد المغناطيسية الأرضية في باريس حساب التفاضل والتكامل ، شدة المجال المغناطيسي في بلجيكا وألمانيا وفرنسا نتائج الأفهام في تقويم العرب قبل الإسلام وتوفي محمود باشا الفلكي في 19 يوليو 1885م عن عمر بلغ نحو سبعين عامًا.