كتب – وسيم عفيفي
وفق قصة الإسلام ، فبعد انتصار صلاح الدين على الصليبيين في حطين وما تلاها من انتصارات حتى سقوط بيت المقدس وما بعدها من مدن وقلاع، أسرعت رسل الصليبيين من الممالك الصليبية إلى غرب أوربا لتخبر بنبأ الكارثة التي حلَّت بهم على يد المسلمين، ولما علم البابا أوربان الثالث (1180- 1187م) بهذه الأخبار لم يتحمل الصدمة، وكان مريضًا فمات في أكتوبر 1187م .
وتولَّى بعده البابا جريجوري الثامن فأرسل إلى حكام الغرب الأوربي يدعوهم إلى بذل كل الجهود لمساعدة الممالك الصليبية، والدعوة إلى فرض هدنة داخل أوربا لمدة سبع سنوات، والدعوة أيضًا إلى الصيام، والوعد لجميع الصليبيين بغفران الذنوب ، وفرض البابا ضريبةً مقدارها 10% على الدخل وعلى الأملاك المنقولة سمّاها: (عشور صلاح الدين) لتمويل الحملة الصليبية الجديدة.
واستجاب لدعوة البابا عدد من ملوك أوربا على رأسهم الإمبراطور الألماني فريدرك باربروسا الأول، وفيليب الثاني ملك فرنسا، وريتشارد الأول ملك إنجلترا الذي كان يُلقَّب بقلب الأسد
وفي ١١ من مايو ١١٨٩م تحركت قوات الإمبراطور الألماني فردريك باربروسا قَبْل القوات الفرنسية والقوات الإنجليزية مشكِّلةً الحملة الصليبية الثالثة.
وسارت قوات الألمان عبر الطريق البري الذي سارت عليه من قبل قوات الحملة الأولى، ولكنَّ الإمبراطور لقي حتفه في أحد أنهار آسيا الصغرى غريقًا في ١٠ من يونيو ١١٩٠م. وكانت تلك خسارة فادحة لحقت بالجيش الصليبي قبل أن يصل إلى هدفه، وانتهى أمر الألمان بالمشاركة الرمزية في الحملة الصليبية الثالثة
اتجهت قوات الصليبيين إلى صقلية وظلُّوا بها في شتاء 586- 587هـ/ 1190- 1191م في نزاع حول الأمور الداخلية في صقلية، وبعد ذلك أبحروا تجاه فلسطين حيث وصلوا مدينة صور التي كانت ما تزال بأيدي الصليبيين، ثم بدءوا مسيرهم نحو عكا وحاصروها بدايةً من (10 من رجب 585هـ/ أواخر أغسطس 1189م) إلى أن سقطت في أيديهم بعد أن دافع عنها أهلها دفاعًا مستميتًا.
دخل الصليبيون عكا في (16 من جمادى الآخرة 587هـ/ 11 من يوليو 1191م) بعد أن حاصروها نحو عامين، غير أن ريتشارد قلب الأسد تجاهل بنود الاتفاق عندما دخل عكا، ونقض ما اتّفق عليه وخان العهد؛ حيث قبض على من بداخلها من المسلمين، وكانوا نحو 3 آلاف مسلم وقام بقتلهم، ولم يقابل صلاح الدين الإساءة بالإساءة، ورفض أن يقتل من كان بحوزته من أسرى الصليبيين.
لم يكن غدر ريتشارد بالمسلمين، ونقضه للعهد غريبًا على شخصيته؛ فلم يكن ريتشارد نبيلاً كما صوّرته وسائل الإعلام في العالم الإسلامي من خلال فيلم الناصر صلاح الدين، بل كان على النقيض من ذلك غادرًا خائنًا متآمرًا حتى على أقرب الناس إليه، ولا يرقب فيهم قَرابة، ومن ذلك أنه اشترك مع إخوته في مؤامرة ضد والدهم سنة (569هـ/ 1173م)، ولكنها فشلت، ثم ما لبث أن عفا عنه والده، وانصرف إلى دعم سلطانه على المقاطعات التابعة له، ولكنه شرع في الضغط على أبيه ليعترف به وريثًا شرعيًّا يخلفه على عرش إنجلترا والمقاطعات الفرنسية التابعة لها.
ولم يرعوِ ريتشارد بعد عفو والده عن خيانته، بل تحالف مع فيليب أوغسطس لتحقيق غرضه في الوصول إلى عرش إنجلترا، وأعلن تمرده على والده وثار ضده سنة (584هـ/ 1188م)، ولم يكن أبوه في سن تسمح له بمقابلة تمرد ابنه بضربات قوية؛ فقد كان كبير السن عليل البدن، الأمر الذي عجَّل بوفاته سنة (585هـ/ 1189م)، وخلفه ريتشارد ملكًا على عرش إنجلترا في (20 من جمادى الأولى 585هـ/ 6 من يوليو 1189م) باسم ريتشارد الأول.
بعد الاستيلاء على عكا، زحف الصليبيون على ما جاورها من موانئ المسلمين على البحر المتوسط واستولوا عليها.
بعد ذلك دخل الصليبيون في مفاوضات مع صلاح الدين الأيوبي انتهت بعقد صلح الرملة في 22 شعبان 588هـ 588هـ ، الموافق 2 سبتمبر 1192م، والذي بمقتضاه خضعت المساحة الواقعة على ساحل البحر المتوسط ما بين مدينتي صور ويافا للنفوذ الصليبي، بينما ظلَّ المسلمون مسيطرين على كل المناطق التي حرّروها بما في ذلك القدس، مع السماح بحرية النصارى في زيارة الأماكن المقدسة في المدينة
وكما ذكر بهاء بن شداد في المحاسن اليوسفية ، فلم يكن صلاح الدين مختارًا في قَبُوله صلح الرملة، بل كان هناك من العوامل ما ضغط عليه ليقبله، ولو سارت الأمور وَفْق ما كان يتمنى لاستمر في الجهاد حتى تتحقق غايته الكبرى بتطهير بلاد الشام من الوجود الصليبي، وقد أشار صلاح الدين إلى هذه العوامل، ومنها:
1 – النزاع بين الأكراد والأتراك في جيشه.
2 – ملَّ الجنود من طول فترة الحروب.
3- ازدياد قوة العدو.
4 – خشيته من حدوث الخلاف بين أسرته بعد وفاته، وانصرافهم عن الاهتمام بالمصلحة العامَّة